السبت، 16 مارس 2013

الأدب الحديث أحلام مستغانمي , حياتها ومقتطف من اعمالها






أحلام مستغانمي نشاتها وبعض أعمالها
 
 

  كاتبة وروائية جزائرية، كان والدها محمد الشريف مشاركا في الثورة الجزائرية. عرف السجون الفرنسية, بسبب مشاركته في مظاهرات 8 مايو 1945. وبعد أن أطلق سراحه سنة 1947 كان قد فقد عمله بالبلدية, ومع ذلك فإنه يعتبر محظوظاً إذ لم يلق حتفه مع من مات آنذاك (45 ألف شهيد سقطوا خلال تلك المظاهرات) وأصبح ملاحقًا من قبل الشرطة الفرنسية, بسبب نشاطه السياسي بعد حلّ حزب الشعب الجزائري. الذي أدّى إلى ولادة حزب جبهة التحرير الوطني FLN. عملت في الإذاعة الوطنية مما خلق لها شهرة كشاعرة، انتقلت إلى فرنسا في سبعينات القرن الماضي، حيث تزوجت من صحفي لبناني، وفي الثمانينات نالت شهادة الدكتوراة من جامعة السوربون. تقطن حاليا في بيروت. وهي حائزة على جائزة نجيب محفوظ للعام 1998 عن روايتها ذاكرة الجسد.

من اعمالها :
  • على مرفأ الأيام عام 1973.
  • كتابة في لحظة عري
  • ذاكرة الجسد عام 1993. ذكرت ضمن أفضل مائة رواية عربية. وفي 2010 ثم تمثيلها في مسلسل سمي بنفس اسم الرواية للمخرج السوري نجدة أنزور.. ( بطولة جمال سليمان وأمل بوشوشة )
  • فوضى الحواس 1997.
  • عابر سرير 2003.
  • نسيان وهو من أفضل الروايات
  • قلوبهم معنا قنابلهم علينا أصدرته أحلام مستغانمي تزامناً مع إصدار نسيان
  • الاسود يليق بك 2012

حمل رواية (الاسود يليق بك )

الجمعة، 15 مارس 2013

الشعر الحديث محمود درويش , حياته وبعض كتاباته


محمود درويش حياته وبعض من كتاباته  


محمود درويش الابن الثاني لعائلة تتكون من خمسة ابناء وثلاث بنات ، ولد عام 1941 في قرية البروة ( قرية فلسطينية مدمرة ، يقوم مكانها اليوم قرية احيهود ، تقع 12.5 كم شرق ساحل سهل عكا) ، وفي عام 1948 لجأ الى لبنان وهو في السابعة من عمره وبقي هناك عام واحد ، عاد بعدها متسللا الى فلسطين وبقي في قرية دير الاسد (شمال بلدة مجد كروم في الجليل) لفترة قصيرة استقر بعدها في قرية الجديدة (شمال غرب قريته الام -البروة-). 
 
انضم محمود درويش الى الحزب الشيوعي في اسرائيل ، وبعد انهائه تعليمه الثانوي ، كانت حياته عبارة عن كتابة للشعر والمقالات في الجرائد مثل "الاتحاد" والمجلات مثل "الجديد" التي اصبح فيما بعد مشرفا على تحريرها ، وكلاهما تابعتان للحزب الشيوعي ، كما اشترك في تحرير جريدة الفجر . 



بعض مؤلفاته


  • عصافير بلا اجنحة (شعر).
  • اوراق الزيتون (شعر).
  • مطر ناعم في خريف بعيد (شعر).
  • يوميات الحزن العادي (خواطر وقصص).
  • حبيبتي تنهض من نومها (شعر).
  • احبك أو لا احبك (شعر).
  • مديح الظل العالي (شعر).
  • هي اغنية ... هي اغنية (شعر).
  • لا تعتذر عما فعلت (شعر).
  • تلك صوتها وهذا انتحار العاشق.
  • حصار لمدائح البحر (شعر).

  •  نسر على ارتفاع منخفض 


    قال المسافر في القصيدة
    للمسافر في القصيدة:
    كم تبقَّى من طريقك؟
    -كله
    - فاذهب إذاً، واذهب
    كأنك قد وصلت...ولم تصل
    - لولا الجهات، لكان قلبي هدهداً
    - لو كان قلبك هدهداً لتبعته
    - من أنت؟ ما اسمك؟
    - لا اسم لي في رحلتي
    - أأراك ثانية؟
    - نعم. في قمتي جبلين بينهما
    صدى عال وهاوية... أراك
    - وكيف نقفز فوق هاوية
    ولسنا طائرين؟
    - إذن نغني:
    من يرانا لا نراه
    ومن نراه لا يرانا
    - ثم ماذا؟
    - لا نغني
    - ثم ماذا؟
    - ثم تسألني وأسأل:
    كم تبقى من طريقك؟
    - كله
    - هل كله يكفي لكي يصل المسافر؟
    - لا. ولكني أرى نسراً خرافياً
    يحلق فوقنا... وعلى ارتفاع منخفض!
     

    الادب الحديث إميل حبيبي , نشأته وبعض اعماله


     إميل حبيبي حياته وبعض من اعماله 


    إميل حبيبي أديب وصحافي وسياسي فلسطيني من الفلسطينيين في إسرائيل. ولد في حيفا في 29 آب (أغسطس) 1921 حيث ترعرع وعاش حتى عام 1956 حين انتقل للسكن في الناصرة حيث مكث حتى وفاته. في 1943 تفرغ للعمل السياسي في إطار الحزب الشيوعي الفلسطيني وكان من مؤسسي عصبة التحرر الوطني في فلسطين عام 1945. بعد قيام دولة إسرائيل نشط في إعادة الوحدة للشيوعيين في إطار الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي كان أحد ممثليه في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) بين 1952 و1972 عندما استقال من منصبه البرلماني للتفرغ للعمل الأدبي والصحافي.

    ومن اهم اعماله :
    • بوابة مندلباوم: نشرت عام 1954
    • النورية - قدر الدنيا: وهي مسرحية نشرت عام 1962
    • مرثية السلطعون: وقد نشرت بعد عام 1967 

     وأخيراً نوّر اللوز

    في السنوات الرومانسية من صباي قرأت رواية ديكنز، قصة مدينتين. واستبطلت سدني كارتن الذي ضحى بحياته لانقاذ زوج المرأة التي أحبها، حين بادله اللباس والمكان في الباستيل، وتحت شفرة المقصلة.
    ومثل غيري من الناس لم يصمد بطل من أبطالي للبلى. بل أقبلوا وأدبروا مع اقبال العمر ومع ادباره، حتى لم يبق لي بطل سوى فيلسوف هيجو، جرنجوار الافاق البائس، في "احدب نوتردام"، الذي، حين طلبوا منه المبادلة نفسها لانقاذ ازمرالدة، الغجرية الحسناء ورفض، فسئل عما يجعله شديد التعلق بالحياة، أجاب: "سعادتي الكبرى في قضاء الأيام كلها، من الصباح إلى المساء، مع رجل عبقري هو أنا. وهذا شيء جميل جدا".
    -والعروبة؟
    -هلا أقلعت عن العتاب والتهكم في مقابلتنا الأولى هذه، بعد انقطاعي عنك عشرين عاما!
    وهذا ما أردته بالضبط حين ذكرت الاستاذ "م" بالعروبة، وقد فاجأني بزيارة ليلية أثارت دهشتي، وأثارت شكوكي، ورجاني أن أستمع إليه ببال طويل.
    لقد كنا صديقين حميمين في سنوات الابتدائية فالثانوية. وكنا، سوية، مؤسسي الجمعية السرية الأولى في مدرستنا الابتدائية لمحاربة الانجليز، التي لم يكن فيها سوى العضوين المؤسسين، ولم تترك أثرا سوى عادة التدخين المزمنة والتي اعتبرناها من مقتضيات العمل السري. ولبسنا النظارات الشمسية السوداء، اخفاء لدموع الرجال، حين احتفلنا بانهاء الدراسة الثانوية، وتوادعنا وتواعدنا. اذ افترقت طرقنا فيما بعد. فسافر "م" إلى القدس لانهاء دراسته في الكلية العربية. ثم رجع إلى بلدنا حيث عمل مدرسا للانجليزية في مدرستها الثانوية ولا يزال في هذه الوظيفة حتى الآن.
    ومنذ أن قامت اسرائيل، انقطعت صلتي به انقطاعا تاما. وحتى المرحبا أخذ يتحاشاها حين نلتقي عرضا في الطريق. وكانت هذه القطيعة قد آلمتني في بدايتها، حتى تعودت عليها، وأسقطته من حياتي مدركا انه من ذلك النوع من الناس، اشبه ما يكون بامرأة كانت في عزوبيتها لا تقوم عن قراءة قصة حتى تقع على غيرها، فلما وجدت الزوج، لم تعد تقرأ شيئا، ولا قصاصات الجرائد في دورة المياه.
    وصاحبنا، الذي كنت واياه نتغم سوية بفتوحات خالد بن الوليد، وبمراثي المتنبي، وبكفرانيات أبي العلاء – العروبة، قد تزوج الوظيفة. فكيف وشأنه أن يحافظ عليها في اسرائيل حيث من مستلزمات ذلك أن تنكر كل صلة بصديقك وبقريبك اذا كان من المشاغبين على السلطة، ولو كان أخاك ابن أمك وأبيك؟
    ثم طرق بابي فجأة، في ذات ليلة من الليالي التي أطبقت بعد حرب الأيام الستة. وقعد قبالتي بعد قطيعة عشرين عاما. وقال:
    -استمع حتى النهاية..
    فما الذي حط في قلبه أسدا، فتجرأ على زيارتي؟
    ووصل الأستاذ "م" ما انقطع من حديثه:
    -سقط سدني كارتن من ألبوم أبطالي مع شعرات شفرتي الأولى. ولكن عنوان رواية ديكنز – قصة مدينتين – ظل يلاحقني ويسحرني ويؤثر على ذوقي طوال هذه السنين الطويلة. وكان هذا التأثير يظهر بأشكال حيرتني في بادئ الأمر. ثم استسلمت له. بل أصبحت أحمله معي عاطفا عليه، معزا له كما يحمل انسان تعويذة كانت والدته علقتها بعنقه منذ الطفولة.
    وفي بداية عهدي بهذا التأثر الغريب شرعت في كتابة "قصة مدينتين" من تأليفي، مدينتين من بلادنا، حيفا والناصرة. وكتبت فصلها الأول، فاذا القصة تنتهي به، فطرحتها. ثم قررت أن أتخصص في موضوعين: الانجليزية والمحاماة. ولكنني لم أفعل. وعالجت قرض الشعر بالانجليزية وبالعربية، فقرضت الهواء، باللغتين معا، ويؤلمني أنني لم انجب سوى ولد واحد. فإنني راغب في ولدين اثنين لا أعطيهم للقراءة سوى كتابين معا، وشاعرين للحفظ، وأدبين للمقارنة، وساعتين للامتحان. وأشياء أخرى في حياتي، لا ضرورة إلى ذكرها، تؤكد سيطرة هذه الازدواجية، في ذلك العنوان السحري – قصة مدينتين – على ذوقي وعلى عقلي. ولكنك، ولا شك، لاحظت هذا الأمر حين كنا صديقين في شبابنا . هل نسيت أنكم كنتم تلقبونني بأبي الذقنين؟
    -كنت ضخما ومنتفخ الوجنتين..
    -لا. بل كنت مثلكم بذقن واحدة. وأما هذا اللقب فعلق بي لأنني كنت أحب ترديد القول: "لا تهمني ذقن ممشطة أو ذقن مخططة": ذقنان ، ذقن رجل وذقن امرأة، اثنان "قصة مدينتين"، هذه هي الازدواجية تعويذتي التي حملتها حول عنقي منذ الصبا.
    "ان صاحبي القديم هذا انسان مرتب، في هندامه وفي كلامه. وهو مسرف في حديثه دون تكلف. فتركته على هواه كما عودته فيما مضى. خصوصا وأنني دهشت من زيارته المفاجئة، وأردت أن أستشف غرضه من هذه الزيارة. ولقد اعتقدت انني بدأت أفهم غرضه. قلت في نفسي: أحد أمران – اما أن وازعا من ضميره أيقظته الحرب فدفعه الآن، بعد عشرين عاما، إلى تبرير انقطاعه عني بهذه الازدواجية. واما ان واحدا ما قد أرسله إليّ لأمر ما، وهو يريد أن يسترد صداقتي بالحديث عن هذه الازدواجية السحرية. فاحترست منه وتشوقت إلى نهاية حديثه".
    فقال:
    -لذلك لم تطل دهشتي حين ارتقت بنا السيارة، لأول مرة بعد حرب حزيران، في منعطفات طلعة اللبن اللولبية، في الطريق من نابلس إلى رام الله . فلتت مني شهقة حين عبرنا المنعطف الأول، وارتج لساني ومقود السيارة في يدي. وهتفت بزملائي الذين كانوا معي في السيارة ( عشرين عاما وأنا أحلم بهذه المنعطفات اللولبية. هذه الطلعة لم تغب عن ذاكرتي يوما واحدا. إني أتذكر كل منعطف فيها. هي أربعة فعدوها. وهذه الجبال المشرئية تحرس السهل الأخضر هي عشرة فعدوها. وهذا الهواء النقي. هذا الأريج أعرفه. اني أستنشق رائحة رافقتني طول العمر. هذا المكان مكاني!).
    "فهمت..! الآن فهمت لماذا جاء هذا المسكين إلي بعد انقطاع عشرين عاما. يا لصديق الصبا. كم قسى الدهر علينا! عذرا على شكوكي. وكدت أقوم كي أعانقه. ولكنه لم يمهلني".
    فلم ينقطع الأستاذ "م" عن حديثه:
    -بعد الحاحي رضي زملائي بأن أوقف السيارة عند المنعطف الأخير، الرابع. ونزلوا معي لنستنشق ذلك الهواء ولنملأ عيوننا بمشهد الجبال والسهل المحروس. وأشجار اللوز تملأ السهل والجبل، أما كان أجدر بهم أن يسموهم منعطفات اللوز؟ وكان شيء في داخلي يدعوني إلى السجود. وكان شيء في عيني يذوب دمعا. وشعرت شعور المشاهد لأشياء عجيبة تقع أمام ناظريه. وكأني أحياها مرة ثانية سني شبابي الماضية، في مراتع صباي، لا أراها فقط بل أحياها وأستنشق هواءها وأحس بدماء الصبا، مع رائحة الصابون والقطين، تجري مشبوبة في عروقي.
    ولكن زملائي لم يمهلوني، وسرعان ما أسقطوني من شواهق منعطفاتي إلى واقعي في الحضيض. هذا يريد متابعة السفر حالا لأن تصاريحنا لا تنص على أن يسمح لنا بالنزول في طلعة اللبن. وهذا يتهكم على ذكرياتي عن هذه الطلعة بأنني في يوم من الأيام، قبل عشرين عاما، قد بولت في أحد منعطفاتها. وغير ذلك من الكلام الذي ألفناه نحن الأساتذة حين نبتعد عن طلابنا وعن زوجاتنا
    وظللت طول الطريق إلى رام الله فالقدس فبيت لحم، وفي العودة، أهجس بهذا الأمر المدهش، وأسترحم ذاكرتي أن تستعيد ما وقع لي من أمر، في شبابي، في هذه الطلعة، جعلني أقف مأخوذا امامها، لا اريد مفارقتها أبدا.
    ولكن دون جدوى. حتى وصلنا اليها في العودة فهبطناها دون توقف. فرآني أحد زملائي مهموما. فوضع يده على كتفي مواسيا، وقال: هي شبيهة بطلعة العبهرية، في الطريق من الناصرة إلى حيفا، فلعل الأمر اختلط عليك.
    فرفع حجرا ثقيلا عن صدري.
    منذ حوالي عشرين عاما وأنا مسافر إلى حيفا مرتين في الأسبوع، حيث أقدم دروسا اضافية في احدى مدارسها الثانوية، فأمر بطلعة العبهرية ذهابا وايابا. أقنعني زميلي بهذا التفسير البسيط، مع علمي بانعدام الشبه بين الطلعتين، لأنني أعرف سر نفسي وضعفي بقصة المدينتين. لا شك في أن طلعة العبهرية ارتبطت دائما في مخيلتي بطلعة اللبن. قبلت هذا التفسير، وأزحت عبئا ثقيلا عن صدري.
    "ياللانسان! أيذبح في ذاكرته ذكريات لا يقوى على احتمالها؟ كنت أحسب أن فاقدي الضمير تتحجر قلوبهم، فلا يشعرون بتأنيبه. فاذا الأمر مختلف. واذا الانسان أعجز من أن يقتل ضميره، فيقتل الذاكرة! اذن، لماذا جاء يحدثني بهذه الحكاية؟".
    وقال صاحبي القديم:
    -تذكر أن لي معارف وأصدقاء عديدين في الضفة الغربية. من أيام الدراسة وفيما بعد. أساتذة ومحامون وأطباء ورجال أعمال وسياسيون ووزير ومستوزرون. ولقد زرتهم جميعا. ووصلنا ما انقطع من ذكريات ومن صداقة. وعادوا كما كانوا قبل عشرين عاما جزءا عزيزا من حياتي. ولا يمضي اسبوع إلا وأزور أحدهم أو يزورني. كنت في الماضي توهمت أنهم نسوني، واستحوا بي، وانهم قطعونا من شجرة حياتهم كما يقلم الفرع الجاف لتنمو الشجرة وتورق.
    -ولكننا فرع أورقته الحياة.
    -صدقت. جئتهم في بادئ الأمر متعثرا، غير متأكد من استقبالهم. فوجدت ما لم أكن أتوقعه من حنين إلى صداقة قديمة، ومن اعتزاز بها. وجدت أنهم كانوا يتتبعون أخبارنا. وكانوا يلتقطونها من فم الطير. ووجدت أنهم يضعوننا أعلى من الموضع الذي وضعنا أنفسنا فيه. وكنت رغبت في أن أخفي عنهم انطوائي في الصدفة عشرين عاما. فاذا بهم يعرفون ذلك ويبررونه بالشدة، ويرونني على غير ما أرى نفسي. لقد رفعوا من قدري فارتفعت. وشالوني فطالت قامتي، فأصبح رأسي فوق الضربات.
    ولذلك قلت لك انهم عادوا جزءا عزيزا من حياتي، تلك التي عرفتها أنت قبل عشرين عاما.
    -فهل زرتني الليلة بقامتك الطويلة، علنا؟
    -وهل أستطيع أن أزورك إلا علنا!
    -وهل، لهذا، زرتني؟
    -لا.. بل لأمر يقلقني ويؤرقني. قلت لك أن دهشتي لم تطل حين أهاجبتني طلعة اللبن ومنعطفاتها. فقد أعدت شعوري هذا إلى تعويذتي التي لازمتني طول حياتي، إلى ازدواجية تفكيري ومنطقي، وإلى اتصالي المستمر بطلعة أخرى، هي طلعة العبهرية.
    وصعدت منعطفات اللبن وهبطتها عشرات المرات منذ ذلك الوقت. وحين كان الحنين الآسي الغريب اليها يدهمني كنت أعلله حالا واريح ضميري.
    حتى جاء ذلك اليوم من أيام شباط الماضي، حين عدت مع زوجتي وولدي من زيارة أصدقاء لنا في القدس القديمة. وكان الوقت ظهرا حين بدأنا نهبط إلى منعطفات اللبن. وكانت براعم اللوز تتفتح. وألوانها البيضاء والحمراء تتعانق في نشوة ربيعية ورقصت الجبال العشرة كلها.
    -بأية لغة نظمت هذه القصيدة؟
    -بلغة عيني وبلغة قلبي. وستسمعني حتى النهاية.
    وظلت زوجتي تلح علي بأن أوقف السيارة، حتى تلتقط أغصان لوز من شجرة عتيقة أعتقد أنها كانت موجودة أيضاً في أيامي السابقة.
    فنزلنا وقطعنا أربعة أغصان ابتسمت لنا وابتسمنا لها.
    وحين سألتني زوجتي : هل اذا زرع غصن اللوز في التراب ينمو شجرة، انقبض صدري وبدأت أتذكر.
    هل تذكر انه في مطلع شبابنا كان لنا صديق، أحب فتاة من القدس أو من بيت لحم، من هناك، وكنا نحب حبه؟
    -كلنا أحب، وكنا نحب حبه.
    -بل هذا الصديق كان حبه أجمل من حبنا. وكانت له قصة. وكنا في رحلة. ونزلنا أمام تلك الشجرة في باب طلعة اللبن. وكان هناك بيت. وكان فيه دجاج وأبقار. والبيت لا يزال قائما ولكنني لا أرى الدجاج ولا أرى الأبقار. واستسقينا سكانه ماء. واذا بفتيات ، في رحلة من القدس، وهن يقطعن أغصان اللوز المنور. وكانت بينهن صاحبة صاحبنا.
    -وماذا بعد؟
    -اني أذكر عنه قصة جميلة. لا أدري الآن كيف وصلت إليّ فصاحبته قطعت فرعا من الغصن وقدمته اليه واستبقت الفرع الآخر. وتعاهدا على أن يحتفظا كل بفرعه، وأن يلتقيا في الربيع القادم، حين ينور اللوز، فيأتي بأهله ويخطبها من أهله. فكيف كانت نهاية قصتهما الجميلة؟
    -وما اهتمامك كل هذا الاهتمام بأمرهما؟
    -لست أدري. ولكنني أحسب أن دافعا قويا يدفعني إلى أن أفتح صفحات صداقاتي القديمة، كلها. كأنما أريد أن أشد حاضري إلى روابط ماضيّ، كلها، حتى لا تنفصم أبدا مرة ثانية. كان ذلك الماضي فياضا بالأمل. وكان يحتضن الدنيا وما فيها. وكان نقيا مفتوحا كعيني طفل. وكأنني اليوم أريد أن أتعلق بخيوطه حتى أنتشل نفسي من هذا الحاضر. فهل تراني غريقا أتعلق بحبال الهواء؟
    -ثم ماذا؟
    -منذ حرب حزيران وأنا أتجول كالملهوف بحثا عن الأصدقاء القدامى. وكلما التقيت بأحدهم تأججت لهفتي إلى لقيا الآخرين. ومنذ أن تذكرت قصة صاحبنا هذا وأنا أفتش عليه، وأبحث عنه، فلا يذكر أحد من أصدقائي قصته. وقد أوقعتني هذه اللهفة في مآزق. وكدت ألا ألقى صديقا من أصدقائي القدامى الا وألح عليه بأن يخبرني كيف تعرف على زوجته!
    ولم يبق من أصدقاء الصبا من لم أسأله عن صاحبنا هذا سواك. لذلك جئت اليك. فهل تذكره وتريحني؟
    -كنت دائما غريب الأطوار يا صاحبي. ولكنك الليلة أغرب ما كنت. فما هذه اللهفة على معرفة أمر جانبي؟
    -تقول: جانبي! إنني أدرك الآن انني ما انطويت في صدفتي، واحدودب ظهري، الا حين قطعت الصلة بماضي. وما هو هذا الماضي؟ ان الماضي ليس زمنا. ان الماضي هو أنت وفلان وفلان وجميع الأصدقاء. سوية رسمنا لوحة هذا الماضي. وكل منا لونها بلونه الخاص حتى جاءت على صورتها الشابة المشتعلة التي عانقت الدنيا ومافيها. ولن أعيد الصلة بهذا الماضي الا اذا تكاملت أجزاء اللوحة بجميع ألوانها. وصاحبنا هذا، بحبه الجميل، أراه الابتسامة في ثغر هذه اللوحة. أي ماض يبقى بدونه. وماذا يبقى من لوحة الجيوكندة اذا مسحت ابتسامتها؟ ان قصته، التي سيكون اللقاء، عودة الحبيب إلى حبيبته، خاتمتها المفرحة، والتي سيكون الفراق المزمن خاتمتها المحزنة، أراها أصدق تعبير عن ربيعية ماضينا، الذي اريده أن يعود كما يعود الربيع بعد كل شتاء.
    -أراك تعود إلى قصة المدينتين، الفرعين، المحب وحبيبته، النهاية المفرحة والنهاية المحزنة. أما الحياة فهي ليست خطوطا متمايزة بل هي خطوط متشابكة. فلماذا لا يكون خيالك، الذي أيقظه حنين ربيعي إلى جبال شامخة، قد توهم هذه الحكاية؟
    -لقد استيقظ خيالي حقا، ولا أريده أن ينام مرة أخرى. لذلك أبحث عن صاحبي هذا. فهل أفهم أنك لا تتذكره؟
    دعني أحاول. فاذا تذكرته أبلغتك الأمر.
    وتركني الأستاذ "م" وهو مهموم كما لم أره مهموما في حياتي. وبقيت مكاني مهموما كما لم أكن مهموما في حياتي. ولعدة دقائق بعد خروجه أمسكت نفسي قسرا عن اللحاق به حتى أهز ذاكرته من موتها.
    ولكن، هل أستطيع احياء الأموات؟
    كيف لا أتذكر قصة الحب الجميلة التي يتلهف الأستاذ "م" على تذكر صاحبها. وكم مرة سألت نفسي: كيف يستطيع انسان أن يقتل في قلبه مثل هذا الحب؟
    وبعد حرب حزيران، حين زرت السيدة الكريمة، الوفية، في القدس أو في بيت لحم، هناك، على حد تعبير الأستاذ "م"، وأرتني غصن اللوز الجاف، الذي لا تزال تحتفظ به، ويكاد يشتعل بالأحمر وبالأبيض حين تستعيد قصته، وأخبرتني أنه زارها مع عدد من زملائه المعلمين، وكان طول الوقت كثير الكلام وشديد الحبور، وأنها أدخلتهم إلى مكتبتها ليروا مجموعة الكتب والتحف التي جمعتها، وانه لحظ غصن اللوز الجاف، فسألها ما هو، فأخبرته ان اللوز ينور في شباط، فانتقل يحدثها عن المشمش وعن الجمعة المشمشية، دهشت لهذا الأمر أشد دهشة.
    ولكنني الآن، وبعد أن زارني الأستاذ "م". وحدثني بكل ما حدثني به، فهمت كل شيء.
    فاني واثق بأن الأستاذ "م" صادق في نسيانه وصادق في لهفته على أن يتذكر. فبارادة باطنية غريبة نسي حقا أنه هو نفسه صاحب قصة الحب الجميلة، والابتسامة التي نورت صبانا.
    فهل من واجبي أنا أن أذكره وأريحه كما طلب مني؟ ولماذا يجب أن أريحه؟ وهل سأريحه حقا؟..
    اذا كانت قامته قد طالت، كما قال لي، فستطول يده هذه القصة، فيقرأ. فهل حينئذ سيتذكر، فيعيد الروابط بماضيه، فينتشل نفسه من حاضرها؟
    وأخيراً نور اللوز فالتقينا. وكان الربيع يضحك. وكان القدر يقهقه.


    الشعر الحديث إيليا أبو ماضي , سيرة حياته وكتاباته


    إيليا أبو ماضي, سيرة حياته و أهم كتاباته







    إيليا أبو ماضي (1889 - 1957)، شاعر لبناني معاصر من شعراء المهجر في الولايات المتحدة الأمريكية، ولد في قرية المحيدثة بناحية بكفيا في لبنان حوالي عام 1889 وتوفي عام 1957 في نيويورك.
    سافر إلى الاسكندرية سنة 1900 ظل يعمل بمصر في التجارة وكان في أوقات فراغه ينظم الشعر و ينشره في الصحف المصرية حتى أكتملت لديه مجموعة من القصائد جمعها في ديوان طبعه في مدينة الاسكندرية و سماه "تذكار الماضي" لايليا ابو ماضي
    في سنة 1911 قرر مغادرة مصر متجها إلى الولايات المتحدة،استقر بمدينة سنستانى بضع أعوم ثم انتقل إلى نويورك سنة 1916م و أشتغل بالصحافة فأنشأ في 1929 مجلتا سماها السمير أصبحت جريدة يومية التقى بجماعة من رفاقه الأدباء العرب المهجرين و كونوا الرابطة القلمية في 1920 مع ظهرت دواوينه على النحو التالي
    •ديوان تذكار الماضي نشره بالأسكندرية عام 1911م
    •ديوان ايليا أبو ماضي طبع في نويورك عام 1918م
    •الجداول صدر في نويورك عام 1927م
    •الخمائل صدر في نويورك عام 1940م و طبع بالمشرق العربي عدة مرات
    •مجموعة من القصائد متناثرة في بعض الصحف و خاصة صحيفة "العصبة"


    من دواوينه
    1/ تذكار الماضي
    2/ الجــداول
    3/ الخمائل
    4/ تبر وتراب
    5/ الغابة المفقودة
    6/ الخمائل 

    قصيدة كن بلسما

    كن بلسماً إن صار دهرك أرقما     وحلاوة إن صار غيرك علقما
    إن الحياة حبتك كلَّ كنوزها     لا تبخلنَّ على الحياة ببعض ما ..
    أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا     أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟
    مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً ؟     أو من يثيبُ البلبل المترنما ؟
    عُدّ الكرامَ المحسنين وقِسْهُمُ     بهما تجدْ هذينِ منهم أكرما
    ياصاحِ خُذ علم المحبة عنهما     إني وجدتُ الحبَّ علما قيما
    لو لم تَفُحْ هذي ، وهذا ما شدا ،     عاشتْ مذممةً وعاش مذمما
    فاعمل لإسعاد السّوى وهنائهم     إن شئت تسعد في الحياة وتنعما

    ***
    أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا     لولا الشعور الناس كانوا كالدمى
    أحبب فيغدو الكوخ قصرا نيرا     وابغض فيمسي الكون سجنا مظلما
    ما الكأس لولا الخمر غير زجاجةٍ     والمرءُ لولا الحب إلا أعظُما
    كرهَ الدجى فاسودّ إلا شهبُهُ     بقيتْ لتضحك منه كيف تجهّما
    لو تعشق البيداءُ أصبحَ رملُها     زهراً، وصارَ سرابُها الخدّاع ما
    لو لم يكن في الأرض إلا مبغضٌ     لتبرمتْ بوجودِهِ وتبرّما
    لاح الجمالُ لذي نُهى فأحبه     ورآه ذو جهلٍ فظنّ ورجما
    لا تطلبنّ محبةً من جاهلٍ     المرءُ ليس يُحَبُّ حتى يُفهما
    وارفقْ بأبناء الغباء كأنهم     مرضى، فإنّ الجهل شيءٌ كالعمى
    والهُ بوردِ الروضِ عن أشواكه     وانسَ العقاربَ إن رأيت الأنجما

    ***
    يا من أتانا بالسلام مبشراً     هشّ الحمى لما دخلتَ إلى الحمى
    وصفوكَ بالتقوى وقالوا جهبذُ     علامةُ، ولقد وجدتك مثلما
    لفظٌ أرقّ من النسيم إذا سرى     سَحَراً، وحلوُ كالكرى إن هوّما
    وإذا نطقتَ ففي الجوارحِ نشوةٌ     هي نشوةُ الروحِ ارتوتْ بعدَ الظما
    وإذا كتبتَ ففي الطروسِ حدائقٌ     وشّى حواشيها اليراعُ ونمنما
    وإذا وقفتَ على المنابر أوشكتْ     أخشابها للزهوِ أن تتكلما
    إن كنت قد أخطاكَ سربال الغِنَى     عاش ابنْ مريم ليس يملك درهما
    وأحبّ حتى من أحب هلاكه     وأعان حتى من أساء وأجرما
    نام الرعاة عن الخراف ولم تنمْ     فإليك نشكو الهاجعين النوّما
    عبدوا الإله لمغنمٍ يرجونه     وعبدتَ ربّك لست تطلبُ مغنما
    كم رَوّعوا بجهنّم أرواحنا     فتألمت من قبلُ أن تتألما!
    زعموا الإله أعدّها لعذابنا     حاشا، وربُّك رحمةٌ، أن يظلما
    ما كان من أمر الورى أن يرحموا     أعداءهم إلا أرقّ وأرحما
    ليست جهنم غير فكرةِ تاجرٍ     ألله لم يخلق لنا إلا السما

    الشعر الحديث خليل جبران , شخصيته ومقتطف من اعماله


     من هوا خليل جبران ؟ , وجزء من اعماله


    ولد جبران في بلدة بشري شمال لبنان عام 1883 من اسرة متوسطة الحال , كان ابوه سكيرا وكذلك جده وقد ورث جبران عشق الخمرة كما‏ ورث من هذه الاسرة جرثومة السل التي فتكت بأمه واخته وأخيه فلا غرابة بعد ذلك أن يمتلك جبران طاقة عصبية مهتاجة وان يقبل على الخمرة اقبالا مرضيا وان تسهم جرثومة السل في تحريض خلاياه العصبية الدماغية مما دفع بعض الباحثين لربط عبقرية جبران بهذه العوامل الوراثية الآنفة الذكر .
     امضى جبران في دنيانا ثمانية واربعين عاما بدايتها في بشري - لبنان وختامها في نيويورك - امريكا . جمع جبران في رأسه مواهب متعددة فقد كان كاتبا وشاعرا ورساما ومصورا وكان مبدعا فيها جميعها بشهادة كبار النقاد والدارسين . بدأ بنشر مؤلفاته بالعربية من سنة 1905 ثم توالت مؤلفاته وبعدها انصرف إلى الكتابة باللغة الانكليزية طوال حياته .‏

    اطلق عليه الياس ابو شبكة لقب المسيح الجديد
    كان من اهم اصدقائه ورفقاء دربه وهم ايضاً من شعراء المهجر
    ايليا ابو ماضي - ميخائيل نعيم.

     مقتبس من قصيدة 
     
    قصيدة اعطني الناي
     
    الخيرُ في الناسِ مصنوعٌ اذا جُبروا
    و الشرُّ في الناسِ لا يفنى وإِن قُبروا


    وأكثرُ الناسِ آلاتٌ تحركها
    أصابعُ الدهر يوماً ثم تنكسرُ

    فلا تقولنَّ هذا عالم علمٌ
    ولا تقولنَّ ذاك السيد الوَقُرُ

    فأفضل الناس قطعانٌ يسير بها
    صوت الرعاة و من لم يمشِ يندثر

    • * *

    ليس في الغابات راعٍ
    لا ولا فيها القطيعْ

    فالشتا يمشي و لكن
    لا يُجاريهِ الربيعْ

    خُلقَ الناس عبيداً
    للذي يأْبى الخضوعْ

    فإذا ما هبَّ يوماً
    سائراً سار الجميعْ
    * * *
    أعطني النايَ و غنِّ
    فالغنا يرعى العقولْ

    وأنينُ الناي أبقى
    من مجيدٍ و ذليلْ

    * * *

    و ما الحياةُ سوى نومٍ تراوده
    أحلامُ من بمرادِ النفس يأتمرُ

    و السرُّ في النفس حزن النفس يسترهُ
    فإِن تولىَّ فبالأفراحِ يستترُ

    و السرُّ في العيشِ رغدُ العيشِ يحجبهُ
    فإِن أُزيل توَّلى حجبهُ الكدرُ

    فإن ترفعتَ عن رغدٍ وعن كدرِ
    جاورتَ ظلَّ الذي حارت بهِ الفكرُ

    * * *

    ليس في الغابات حزنٌ
    لا و لا فيها الهمومْ

    فإذا هبّ نسيمٌ
    لم تجىءْ معه السمومْ

    ليس حزن النفس الاَّ
    ظلُّ وهمٍ لا يدومْ

    و غيوم النفس تبدو
    من ثناياها النجومْ

    * * *

    أعطني الناي و غنِّ
    فالغنا يمحو المحنْ

    و أنين الناي يبقى
    بعد أن يفنى الزمنْ

    * * *

    و قلَّ في الأرض مَن يرضى الحياة كما
    تأتيهِ عفواً و لم يحكم بهِ الضجرُ

    لذاك قد حوَّلوا نهر الحياة الى
    أكواب وهمٍ اذا طافوا بها خدروا

    فالناس إن شربوا سُرَّوا كأنهمُ
    رهنُ الهوى وعَلىَ التخدير قد فُطروا

    فذا يُعربدُ إن صلَّى و ذاك إذا
    أثرى و ذلك بالأحلام يختمرُ

    فالأرض خمارةٌ و الدهر صاحبها
    و ليس يرضى بها غير الألى سكروا

    فإن رأَيت أخا صحوٍ فقلْ عجباً
    هل استظلَّ بغيم ممطرٍ قمرُ

    * * *

    ليس في الغابات سكرٌ
    من خيال أو مدام

    فالسواقي ليس فيها
    غير إكسير الغمامْ

    إنما التخدير ُ ثديٌ
    و حليبٌ للانامْ

    فإذا شاخوا و ماتوا
    .بلغوا سن الفطامْ

    * * *

    أعطني النايَ و غنِّ
    فالغنا خير الشرابْ

    و أنين الناي يبقى
    بعد أن تفنى الهضاب

    * * *

    و الدينُ في الناسِ حقلٌ ليس يزرعهُ
    غيرُ الألى لهمُ في زرعهِ وطرُ

    من آملٍ بنعيمِ الخلدِ مبتشرٍ
    و من جهولٍ يخافُ النارَ تستعرُ

    فالقومُ لولا عقابُ البعثِ ما عبدوا
    رباًّ و لولا الثوابُ المرتجى كفروا

    كأنما الدينُ ضربٌ من تجارتهمْ
    إِن واظبوا ربحوا أو أهملوا خسروا
    * * *
    ليس في الغابات دينٌ
    لا ولا الكفر القبيحْ

    فاذا البلبل غنى
    لم يقلْ هذا الصحيحْ

    إنَّ دين الناس يأْتي
    مثل ظلٍّ و يروحْ

    * * *

    أعطني الناي و غنِّ
    فالغنا خيرُ الصلاة

    و أنينُ الناي يبقى
    .بعد أن تفنى الحياةْ

    * * *

    و العدلُ في الأرضِ يُبكي الجنَّ لو سمعوا
    بهِ و يستضحكُ الاموات لو نظروا

    فالسجنُ و الموتُ للجانين إن صغروا
    و المجدُ و الفخرُ و الإثراءُ إن كبروا

    فسارقُ الزهر مذمومٌ و محتقرٌ
    و سارق الحقل يُدعى الباسلُ الخطرُ

    و قاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ
    و قاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ